
من أقوال المغفور له سماحة الشيخ
محمد علي الجعبري
ستكون جامعة الخليل بعون الله مصدر خير واشعاع، ونور وهداية لأجيال الحاضر والمستقبل من أبناء هذه الأمة، ونرجو الله أن تظل هذه الأمة منار خير ومنبع عطاء تدعو الناس الى الهدى والفلاح
مؤسس جامعة الخليل
ولد محمد علي أحمد درويش الجعبري عام 1900 م في مدينة الخليل و تعود جذور عائلة " الجعبري " إلى قبيلة ربيعة العدنانية، وهي قبيلة عربية من نسل كعب بن ربيعة، كانت تستوطن ديار ربيعة في منطقة الجزيرة على الفرات، أما بداية اسقرارها في الجزيرة الفراتية، فكانت في مطلع القرن الخامس الهجري. وقد تمكن زعيمها "سابق الدين جعبر بن مالك القشيري " من الاستيلاء على قلعة كانت تسمى دوسر أو الدوسرية نسبة إلى بانيها.
يتصل آل الجعبري في الخليل بنسل الشيخ برهان الدين أبي محمد أو أبي إسحق إبراهيم بن عمر الجعبري، وهو أحد علماء قلعة جعبر وكان يعرف بالجعبري نسبة إلى مسقط رأسه قلعة جعبر وبالخليلي نسبة إلى مدينة الخليل التي استقر بها، ومن عقبه تشكلت عائلة الجعبري. و قد كني بأبي إسحق جريا على عادة الناس فيمن اسمه إبراهيم، و بأبي محمد نسبة إلى والده " محمد " شيخ الخليل من بعده . وقد لقب ب "برهان الدين : وهو في الغالب عليه وبه اشتهر . ولقب في بغداد ب " تقي الدين.
نشأ محمد علي الجعبري في كنف والديه، و كان ذا حظوة لديهما، فترعرع معززا مكرما. و انتظم في سلك الدراسة بالمدرسة الابتدائية في الخليل. و أرسله والده مع إلى مصر شقيقه درويش الجعبري بعد إنهائه المرحلة الابتدائية، فتوجها مع قافلة من التجار كانت متوجهة من الخليل إلى يافا، فبور سعيد في القاهرة. كان أخيه درويش يعتبر من علماء الخليل و هو من خريجي الأزهر، فأثر أثرا بالغا في أخيه الأصغر محمد علي، فأقام معه في القاهرة طيلة فترة الدراسة. وقام بدور مهم في تقديمه و تعريفه بعلماء و شيوخ الأزهر.
أنهى محمد علي المرحلة الإعدادية، و حفظ خلالها ربع القران الكريم غيبا، و هو متطلب إجباري لاجتياز المرحلة الإعدادية، ثم خضع لامتحان ليلتحق بالأزهر الشريف – القسم النظامي – فنجح في ذلك الامتحان، و حاز على الشهادة المتخصصة في الوعظ و الإرشاد سنة 1922م.
عهد للشيخ الجعبري بتولي رئاسة البلدية بتاريخ 28 تشرين أول 1940م، و بتاريخ 26 شباط 1942م، أعيد تشكيل المجلس بعد استقالة الدكتور أحمد عبد العال، وقبول عضوية: راشد عرفة، وعمران طهبوب، واستمر المجلس الجديد في عمله برئاسة الشيخ الجعبري حتى 25 نيسان 1948م .
لم يكن صعود الشيخ الجعبري ووصوله إلى رئاسة بلدية الخليل بمحض الصدفة، فقد برز كعين من أعيان الخليل ووجهائها؛ لكونه من رجال الدين المتصفين بالعلم والحكمة، ونتيجة للأعمال العامة التي قام بها. وبمجرد تخرجه من الأزهر الشريف و عودته إلى الخليل، سارع الشيخ الجعبري إلى الإنخراط في العمل العام، ففي عام 1925م، تقدم بطلب إلى قائم مقام الخليل لإنشاء "جمعية علماء الخليل" مع كل من الشيخ عبد الرحمن بدر، والشيخ يعقوب شاور.
وكانت فكرة الشيخ الجعبري بإنشاء جمعية للعلماء على مستوى الخليل أو فلسطين فكره رائدة في هذا المجال. فبعد عشر سنوات من ذلك التاريخ أي في عام 1935م، دعا الحاج أمين الحسيني إلى عقد المؤتمر الأول لعلماء فلسطين.
انتسب الشيخ الجعبري إلى معهد الحقوق في القدس ليتخرج محاميا. وقد سمح له بممارسة المحاماة أمام محاكم فلسطين. وأنشأ مكتبا له في الخليل، مارس فيه المحاماة الشرعية، كما عمل مأذونا شرعيا في الخليل في الفترة الممتدة ما بين (1926 – 1941) وفي تلك الأثناء أيضا عمل مدرسا وواعظا في الحرم الإبراهيمي، و استمر في هذا العمل حتى عام 1937م، عندما وافق المجلس الإسلامي الأعلى على تعيينه واعظا لمدينة الخليل وقضائها مكان الشيخ صبري عابدين.
و على صعيد آخر أوكلت للشيخ الجعبري مهمة الإشراف على حفلات الاستقبال و الوداع لكبار ضيوف الخليل. فعند زيارة الأمير سعود بن عبد العزيز إلى الخليل في شهر آب 1935م، ترأس الشيخ الجعبري لجنة الاستقبال التي مثلت كلا من: عبد الله كردوس قائم مقام الخليل، وناصر الدين ناصر الدين رئيس البلدية، والشيخ عبد الله طهبوب مفتي المدينة، و عددٍ من أعيانها و وجهائها. وبعد أن زار الأمير سعود الحرم الإبراهيمي ألقى الشيخ الجعبري الكلمة الترحيبية بالضيف. وترأس الشيخ الجعبري وفد الخليل الذي ذهب إلى عمان لتهنئة الأمير عبد الله بمناسبة العيد عام 1937م، و كانت هذه الزيارة هي الثانية.
و من جهة أخرى كان الشيخ الجعبري من أوائل الذين تصدوا لقوات البوليس البريطاني بعد تعديها على أملاك و مزروعات المواطنين في الخليل، ومن أوائل المعتقلين في ثورة عام 1936م، و قد أرسلت مدينة الخليل ممثلة ببلديتها و وجهائها رسالة تأييد ودعم للشيخ الجعبري في المعتقل.
يمكننا أن نؤرخ لانطلاق مسيرة الشيخ الجعبري في العمل السياسي مع مطلع عام 1928م، إذ ترأس جمعية الشبان المسلمين في الخليل. ففي ذلك العام شهدت فلسطين موجة تأسيس المراكز و الفروع لجمعيات الشبان المسلمين متأثرة بمصر المقر الأول لجمعية الشبان المسلمين، سعيا ممن أسسها إلى تجذير و تأكيد عالمية هذه الحركة.
ففي عام 1928م تشكلت جمعية الشبان المسلمين في الخليل وحصلت على الموافقة الأولية من قائم مقام الخليل، وترأس الشيخ الجعبري تلك الجمعية نظرا لتوجهه الإسلامي ولكونه ممن درسوا في الأزهر الشريف، كما كان من أعضاء المؤتمر الإسلامي للدفاع عن المسجد الأقصى والأماكن الإسلامية، وتم اختيار الممثلين والمندوبين في جمعية الشبان المسلمين في الخليل عن طريق الانتخاب.
بدأ نشاط الشيخ الجعبري في الجمعيات الإسلامية المسيحية عام 1924م، حينما كان عضوا في الهيئة الإدارية في الجمعية الإسلامية المسيحية في الخليل وكانت برئاسة الشيخ طالب مرقة وعضوية كل من: محمود سلطان، وياسين أبو الفيلات، والشيخ يعقوب شاور، والحاج عبد المعطي الخطيب، والحاج سليم حجازي، والحاج عبد العظيم الخطيب، وأحمد يونس ذرافو، وحميدان كاتبه بدر، والحاج إبراهيم أبو خلف، والشيخ امين الحموري، وأحمد بيوض التميمي، وظاهر دعنا. وقد استمرت تلك الجمعية في عملها حتى أواخر عام 1931م.
لقد اعتبر أعضاء هذه الجمعيات أوائل القوميين العرب المنظمين في فلسطين، وارتبطت حركتهم بالقيادة العربية في دمشق بهدف تحقيق سوريا مستقلة وموحدة، تضم كلا من :سوريا، ولبنان، وفلسطين، والأردن.
المؤتمر العربي الفلسطيني السابع:
شهد عام 1928م نشاطا مكثفا للشيخ الجعبري، ففي تلك السنة ترأس جمعية الشبان المسلمين في الخليل، وشارك في المؤتمر الإسلامي للدفاع عن المسجد الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة، كما كان ضمن وفد الخليل المشارك في المؤتمر العربي الفلسطيني السابع الذي انعقد في القدس من27-20 حزيران 1928م.
مؤتمر الشباب العربي الفلسطيني:
أنتخب الشيخ الجعبري عضوا في اللجنة التنفيذية لمؤتمر الشبان، والتي بدورها انتخبت مكتب اللجنة التنفيذية والذي تكون من: راسم الخالدي رئيسا، وعيسى البندك نائباً للرئيس، وحمدي النابلسي أمينا للمال، ويوسف عبده، وسعدي الشوا لأمانة السر، وفؤاد سابا محاسبا.
المؤتمر العربي القومي (مؤتمر بلودان):
شارك الشيخ الجعبري في مؤتمر بلودان بصفته عالما من علماء فلسطين، كما شارك في مؤتمرات رؤساء البلديات العرب في فلسطين (يافا 1941-7-13)، (يافا 1944-5-5)، (نابلس 1944-6-17)، (غزة 1945-2-22) والمؤتمر الأول لرؤساء البلديات العرب في لواء القدس (الخليل 1946-9-11)، ومؤتمر رؤساء البلديات العرب في فلسطين (الخليل 1947-4-3)، ومؤتمر رؤساء البلديات العرب في فلسطين (رام الله 1947-6-14).
لم تمضِ سوى سنوات أربع على إتمام الاحتلال سيطرته على كامل فلسطين، حتى كان الشيخ الجعبري قد طاف مدن فلسطين، يحشد الطاقات لتأسيس شبكة للتعليم العالي في فلسطين. وفي الخامس من نيسان 1971 كان الشيخ قد انتُخب رئيساً للمؤتمر الأول للتعليم العالي الذي عقد في رام الله.
بعد أقلّ من شهرين، وتحديداً في السابع عشر من أيار 1971 عُقد المؤتمر الثاني، وقد ساهمت البيئة السياسية حينها في ألّا يُكتب لهذا المؤتمر النجاح. فقد جادل البعض حينها، وخصوصاً من الأشقّاء العرب، أنّ في تأسيس جامعة تحت الإحتلال مخاطرة بالإنفصال. بينما كان الشيخ الجعبري يعتقد بأنّ المقاومة ندّية للإحتلال قبل أن تكون ردّة فعلٍ على سلوكه، كان سماحته يرى في الجامعة الفلسطينية بؤرة تنوير ضرورية، تستدعيها الحاجة إلى بناء مجتمعٍ متمكّن مناوئٍ للإحتلال، ولا تمكين دون علم.
لم تكن الجامعة التي حلم بها الشيخ الجعبري مجرّد مؤسسة تعليمية تنقل المعرفة أو تصنعها. كان يرى فيها جسراً من جسور التحرير، أرادها شبكة من الكلّيات المتصلة المترابطة الموزّعة على مدن فلسطين، وقد أرادها مؤسسة ذاتية الاكتفاء، فنادى بالاستفادة من فلسطينيّي الشتات كمحاضرين فيها، وهو هنا؛ إذ يحاول بناء قلعة علم، يحاول أيضاً تقويض مخططات الإحتلال بتهجير العقول ومنع العودة.
لم يطوِ الشيخ صفحة هذه الجامعة حين أُفشِلَ المؤتمر، إذ انطلق في ذات العام ومن الخليل ليعلن عن تأسيس مركز الدراسات الإسلامية العليا، ورغم أنّ سلطات الاحتلال عرقلت التأسيس وحاولت منعه، إلّا أنّ إصرار الشيخ أثمر في الثامن والعشرين من شهر آب عام 1972، حيث تم تشكيل اللجنة التحضيرية في ظل انتقادات واسعة من الداخل والخارج. مع ذلك؛ عقدت اللجنة التحضيرية اجتماعها الأول في الثالث والعشرين من شهر أيلول 1972، وتم انتخاب الشيخ الجعبري رئيساً لها، وحمدي كنعان نائباً لها، وعزيز شحادة سكرتيراً. واستطاعت اللجنة تأمين الدعم الشعبي والرسمي، وأقرّت ما عُرف حينها بـ "قانون الجامعة العربية الفلسطينية".
اختلفت اللجنة على مكان الجامعة، لكنّ ذلك لم يقطع طريق الشيخ الطويل، استمرّ في كلّية الدراسات الإسلامية في الخليل، وبعد أقلّ من عقدٍ على تأسيس كلّية الشريعة، تحوّلت إلى جامعة تحمل اسم "الخليل" في عام 1980، لتحتضن الطلبة من كافة مدن وقرى ومخيمات الوطن، وها هي اليوم؛ جامعة منافسة تضمّ إحدى عشرة كلية، وتقدّم خمسة وأربعين برنامجاً أكاديمياً في مرحلة البكالوريوس، واثني عشر برنامجاً في مرحلة الماجستير, وتحتضن أكثر من 9000 آلاف طالب وطالبة، يرعاها مجلس أمناء برئاسة الدكتور نبيل الجعبري، نجل المرحوم الشيخ الجعبري.
علاوة على ذلك، ولا تنسى مآثر الشيخ في إنشاء معهد المعلمين في العروب عام 1958 لتأهيل المعلمين على أحدث طرق التربية وإنشاء المدرسة الزراعية في العروب عام 1964 ودورة في إقامة وتشيد عشرات المدارس. ليس فقط على مستوى المحافظة, وإنما على ضفتي النهر حين كان وزيراً للتربية والتعليم والمعارف, وإرسال البعثات التعليمية إلى دول الخليج.
مع نهاية عام 1977م أصيب الشيخ الجعبري بجلطة دماغية أقعدته عن الحركة وألزمته الفراش حتى وفاته في 29 أيار 1980م، وشارك في تشيع جثمانه عشرات الآلاف من الشعب الفلسطيني في الخليل والضفة وقطاع غزة والأردن وفلسطيني الداخل.